نعم للثورة الفكرية

"نعم للثورة الفكرية " هي بقعة ضوء ومتنفس حرية لكل الطامحين لإقامة مجتمع يحترم كل افراده على اختلافاتهم وتنوعهم.

الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

ما هي الثورة الفكرية

ما هي الثورة الفكرية
في عالمٍ تسودُه الحروب والتعصب الأعمى، أكثر من 4200 دين على الأرض، معظمها يحمل عناوين ساميةً وشعارات راقيةً، إلا أنَّها لم تُسهِمْ إلا بإشعالِ نزاعاتٍ وحروب وتقسيمات جعلت الإنسانيةَ مفكّكةً مما لا يخدم ما قيل أن الأديان جاءت من أجله أصلاً، بل يصبُّ في جيوب أصحابِ السلطات والشركات والهيمنة المالية على العالم.
قد تسألُ نفسَكَ ما علاقةُ الحديث الديني بما أسميه في مقالي بالثورة الفكرية؟ وهل على كلِّ ثورةٍ فكريةٍ أن تتّجه باتجاه إلحادي مثلاً؟ 
في الحقيقة، الجواب هو لا. ولكنَّ مشكلة الأديان الأساسيّة هي أنها دائماً تبدأُ كنهجٍ فكريٍ وروحيٍّ معيَّن، وتنتهي بمحاولةٍ للاستقلالِ وإنشاءِ التجمعات والقبائل والدول وكأنها وسيلةٌ للتجمع والوجود، ثم تسنُّ تشريعاتٍ جديدةً على معتنقيها مما يجعلُها مختلفةً عن العالم 
ومنقسمةً عنه ورافضةً له!



تخيَّل أنني ألَّفتُ كتاباً يقول ضمنه أنَّ لونَ الشعر الأحمر هو لون السلام والمحبة والخير وأن الناس جميعاً عليهم أن يصبغوا شعرهم بالأحمر، ثمَّ نشرتُ هذا الكتاب وبدأت أعدادُ أصحاب الشعر الأحمر بالازدياد. حتى هذه النقطة ستجد أن ما حصلَ طبيعيٌّ جداً وسواء أنا (صاحبة الكتاب) أم المعجبين به، فنحن أحرارٌ بألوان شعرنا وما يحمله من معتقدات خاصة بنا لأننا بالتأكيد نملك مبررات مقنعة بالنسبة لنا حتى نفعل ذلك وإلا ما كنا تكبّدنا عناءَ صبغة الشعر. ولكن تخيَّل إن خرجتُ وقلتُ لأتباعي أننا يجبُ أن نثورَ وننشئَ دولةً خاصةً بنا تحكمُها قوانيننا الخاصة وسنرفض من يرفضنا، وسنزدري بمن لا يوافق أفكارَنا، ولن نتزوج إلا من أمثالنا !!
حينها لربما سيسألُ كلُّ العالم: ما الجدوى من إنشاء دولة؟ أنتم حركة فكرية فلماذا تنعزلون؟ وبعد إنشاء الدولة إذا انعزلتم كيف ستتطورون مع الزمن؟ وما فائدةُ هذا التقسيم سوى أنه سيخدم قوى المال في العالم؟!!
قد يعتبرُ البعضُ أنَّ مثالَ الشعر الأحمر أقلُّ من أن نشبِّهه بالأديان، ولكن مع وجود 4200 دين ومجموعة فرعية كلٌّ منها يملك فكرةً خاصةً، لها مبررات مقنعة جداً لأصحابها،  يبدو مثالُ الشعرِ الأحمر مناسباً لتفهَمَ أنَّ المعتنقين لديانةٍ أنتَ غيرُ مقتنعٍ بها، هُم لديهم مبرراتٌ خاصةٌ ومقنعةٌ أيضاً. 
وهنا يأتي سؤالي، بما أنَّ ثورةَ الشعرِ الأحمر قامت على الكتب والأفكار ألا تعتبر إذاً ثورةً فكرية؟؟
في الحقيقة لا!! إنَّ الأسئلة التي طرحناها على أصحاب ثورة الشعر الأحمر هي الثورةُ بحد ذاتها ! وهي الأسئلة التي يجب علينا أن نطرحها على أنفسنا اليوم!! 
آمن بما شئت، ولكن ما الهدفُ من إنشاءِ دولٍ وقوانينَ بناءً على معتقدك؟ لماذا تتحوَّل الأفكارُ الجميلة دائماً إلى ذرائعَ للحرب وكسب المال؟! ولماذا تريدُ الانعزال عن الإنسان الآخر، أبوك الأول وأخوك الأول قبل أن تولدَ الأديان!!
الثورة الفكرية هي الاستمرار بالتفكير والتطور لخدمة الإنسان مهما كان معتقده!  وهي ليست بحاجة إلى إنشاء التجمعات والتقسيمات بل بحاجةٍ إلى ولاداتٍ جديدة تنفخ روح العقل والحرية في الثورة لكلِّ إنسانٍ مهما كانَ دينُه أو لونُه أو معتقده.
الثورة الفكرية هي عقلُك الذي سيقول لك: لا تقتل!  لأنَّ الأفكار الجميلة لا يُمكن أن تثبت وجهةَ نظرها بالقتل!
"لا تتعصب" لأني أنا أخوك الإنسان، قادني عقلي إلى معتقدي ولكنه لن يقودني إلى حبسك أو ظلمك أو اعتقالِك أو تعذيبك فقط لأنك لم تؤمن بي.
"لا تحجر عقلك" لأننا حتى نعيش معاً علينا أن نفكر بيومنا وغدنا أكثر من ماضينا، لأن الأفكار لا تتوقف وعلينا أن نكمل سوياً.
الثورة الفكرية هي أن نتخلى عن كل وسائل القتل والتقسيم والتمييز والعبودية وتقييد الحريات..
وأن نمسك أقلاماً ونكتب أفكارنا بكل محبة، لينمو العقل البشري دون خوف ودون قيود ودون توقف!

علا سليمان